متى ستنتهي معاناة المكونات الحدودية الإرترية؟

متى ستنتهي معاناة المكونات الحدودية الإرترية؟
متى ستنتهي معاناة المكونات الحدودية الإرترية؟
شفا م/نور
الطبيعة الجغرافية و الحدود المشتركة غالبا تجبر حكومات الدول المتجاورة أن تتعايش جنب إلى جنب بسلام بالرغم من عدم وجود أي روابط ثقافية و تأريخية أو معتقدات دينية مشتركة بين شعوبها . فتتبادل السلع التجارية والخبرات وتقيم إتفاقيات دفاع مشتركة لتحمي أمن و سلامة أقاليمها. كما أن وجود المواثيق و المعاهدات الدولية (ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945) و الإقليمية تزيد من عمق هذه العلاقات بين الدول المتجاورة وخاصة في تحديد و تنظيم الروابط القانونية التي تربط تلك الدول على أساس مبدأ حسن الجوار و الإحترام المتبادل والتعايش السلمي ومنع الإعتداءات وعدم التدخل في الشئون الداخلية للغير. كما تدعم هذه المواثيق كل أشكال التعاون و التنسيق بين الدول المتجاورة لمنع الجرائم و حماية الشعوب من خلال وضع خطط تنموية لتسهيل و تأمين تنقل الناس و البضائع عبر الحدود المشتركة بطرق شرعية تضمن الاستقرار السياسي و الإقتصادي في المنطقة.
وفي الأوقات التي يتم فيها ترسيم الحدود بشكل نهائي بين الدول، يلزم نظام الجوار في القانون الدولي، الدول المتجاورة بتوقيع إتفاقيات دولية تنظم نمو العلاقات الودية بينها، وذلك بتأسيس هيئات ترعى شؤون سكان المناطق الحدودية وتوفير الخدمات العامة، وإقامة نظام إداري خاص بهم يتمتع من خلاله سكان المناطق الحدودية بوضعية خاصة و مرنة، كما يحتم على هذه الدول أن تشدد الرقابة على حركة البضائع و الأفراد لمحاربة تجارة الأسلحة والمخدرات ومكافحة التهريب والتعاون والتنسيق في مكافحة الأوبئة والتلوث والمساعدة عند حدوث الكوارث.
هناك أيضاً بعض الدول بالإضافة إلى الجغرافية، ترتبط بعلاقات تأريخية وتقافية ودينية ومصالح ولغات مشتركة ولكن ورغم وجود هذه الروابط القوية نجدها عمليا لا توجد بينها أي معاهدات أو إتفاقيات أو حتى أي إلتزامات بالمواثيق الدولية المذكورة أنفاً كتلك الفجوات الموجودة بين البلدان المتجاورة في القرن الأفريقي التي فشلت حتى في التعاون في إمور بسيطة بينها مثل إدارة المناطق الحدودية. الخلاف بين هذه النوعية من الدول يبدو للمراغب غير مرئي أو غير ظاهر على الأرض لكن السبب الحقيقي خفي وراجع إلى قطرسة بعض الدول أو القادة والذين يحاولون بإستمرار التنمر على غيرهم من الدول بفرض أرائهم وإستعراض قوتهم على الأخرين رغم أن الأخرين يتمتعون بنفس الصفات والميزات السيادية التي تتمتع بها دولهم. هذا الواقع المرير الذي تعاني منه منطقة القرن الأفريقي كان سببا لحروب حدودية وعداوات عقيمة بين هذه الدول المتجاورة على مر تأريخ المنطقة.
الحدود الموروثة من الإستعمار الأروبي قسمت شعوب كثيرة وضمت أراضيها إلى عدة دول متجاورة دون وجود أدنى روابط مع التركيبة السكانية لتلك لدول سواء كانت ثقافية أم عرقية أو حتى عقائدية.
أصبحت الشعوب المقسمة أقليات مهمشة متناثرة هنا وهناك بين جانبي حدود البلدان المتجاورة والأثار السلبية التي تبعت هذه التقسيمات الظالمة دمرت النسيج الإجتماعي لهذه الشعوب وطمست هويتها الثقافية . من هذه الشعوب التي تأثرت بتلك التقسيمات المجحفة، يمكننا أن نأخذ على سبيل المثال فقط، الشعب الكردي الذي قسمه الإستعمار بين 4 دول (تركيا و إيران و عراق وسوريا) و الشعب البشتوني الذي قسم بين أفغانستا وباكستان هذا في أسيا، أما في إقريقيا، نجد الشعب العفري والذي قسم بين جبوتي وإثيوبيا وإرتريا و البني عامر بين إرتريا و السودان.
أراضي هذه الشعوب التي إنتها بها المطاف إلى أقليات متناثرة في بلدان مختلفة، في الغالب غنية بالثروات الطبيعية و تمكتلك كل المقومات التي تأهلها لأن تكون دولة ذات سيادة سواء كان ذلك من حيث المساحة أو عدد السكان و المقومات الأخرى. هذه الموقومات التي ربما كانت هي السبب في إثارة الأطماع الإستعمارية التي قسمت هذه الشعوب وحولت كل نعمة فيها إلى نغمة كارثية في حق هذه الشعوب التي لم تنعم بثرواتها الطبيعية ولا بموروثاتها الحضاربة و التأريخية.
وما يهمنا في هذه الموضوع هو النظر إلى الأوضاع المأسوية التي يعيشها سكان المناطق الحدودية في إرتريا والذين تأثروا بهذه التقسيمات الظالمة التي تركها الإستعمار الأروبي وإنعكاستها على حياة هذا الجزء المهم من المجتمع الإرتري الحالي.
تقطن شريحة كبيرة من المجتمع الإرتري الأراضي الممتدة على طول الشريط الحدودي مع إثيوبيا والسودان معتمدة على حياة الرعي والفلاحة نسبة لخصوبة التربة وتوفر الماء فيها. وتمتد العلاقات الثقافية والتأريخية و الإجتماعية و الدينة لهذه المكونات الحدودية من الشعب الإرتري إلى ما وراء الحدود في الدول المجاورة و خاصة إثيوبيا و السودان.
المجموعات الإثنية الإرترية التي لها إمتدادات في عمق دول الجوار بكثافة هم العفر والبني عامر في كل من إثيوبيا وجيبوتي والسودان. رغم أهمية هذه الإمتدادت كجسور إجتماعية و التي يفترض أن تساهم في تعميق الروابط بين هذه الدول ثقافياً، و إقتصاديا، وأمنياً،ً نجد هذه المكونات الحدودية قد أصبحت عرضة للتهميش الممنهج والحرمان المقصود من كل برامج التنمية الإقنصادية ولإجتماعية نتيجة لسياسات الهيمنة و الأطماع الإثيوبية التي ظلت تدخل المناطق الحدودية في حروب ونزاعات عقيمة لاطائل منها وتناقض كل المعاهدات والمواثيق الدولية التي تحمي حقوق المكونات الحدودية. أيضا يتحمل النظام القمعي الحاكم في إرتريا جزء كبيرة من المسؤلية في خلق هذا الواقع الأليم الذي يعيشه الشعب الإريتري على طول الشريط الحدودي مع السودان وإثيوبيا، وذلك بسبب إتباعه سياسات خرقاء في إدارة هذه المناطق وتهميشه المتعمد لها مما نتج عنه وضع معيشي سئ جعل تلك الشرائح الحدودية تترك قراها ومناطقها الأصلية وتهم بالنزوح إلى المناطق الحضرية أو تلجؤ إلى ماوراء الحدود هرباً من الفقر و الجوع والمرض وطلباً للخدمات العامة. أبناء هذه الشريحة يشكلون اليوم العدد الأكبر من سكان معسكرات اللاجئين ومدن الدول المجاورة التي يعانون فيها من ضيق المعيشة وأزمة هوية. بعض هؤلاء يعيش في اللجوء منذ أكثر من خميسين عاماً دون هوية وفي تجاهل تام من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية و الإقليمية التي يعنيها حقوق الإنسان. هؤلاء لا يستطعون العودة إلى مناطقهم الأصلية بسبب بقاء الأسباب التي هجرتهم ولا يستطيعون أيضاً الإندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها بسبب رفض البلدان التي تستضيفهم دمجهم في مجتمعاتها المحلية لتستمر معاناتهم وأهاتهم بعد أن أوقعهم القدر بين حاكم فاسد وجيران حاسد فأصبح مصيرهم في يد عالم يقدس المصالح السياسية بدل القيم الإنسانية!
شفا م/نور
18/03/2020
You must be logged in to post a comment.