واقع الحال

واقع الحال
الحقيقة الواضحة والمرة في الوقت ذاته، التي يجب الاعتراف بها، وواقع الحال يؤكدها من خلال الأحداث الجارية والحرب الدائرة بين التغراي والحكومة المركزية في أديس أبابا، وهذا الأمر يقودنا إلى التفكير إلى ما سيؤول إليه الأمر، وفق نتائج هذه الحرب، فهي دونما شك ستعيد رسم خارطة المنطقة في الحالتين، في حالة انتصار التغراي وتحقيقهم لأحلامهم في إقامة دولة خاصة بهم، والسيطرة على المنطقة كلها بما فيها دولتنا إرتريا، أو في حالة انهزامهم من قبل الحكومة المركزية في أديس أبابا، ومما لا شك فيه أننا أمام خطر داهم، خطر عظيم يتهدد وجودنا وكياننا الوطني إرتريا، فهذا الوطن لم يمنح لنا هباء منثور، أو منحة من هيئة الأمم أو المنظمات الدولية، فقد قدمت الأمة الإرترية فلذات أكبادها فداء لهذا الوطن، وفي سبيل الحرية والتحرر من نيرات الاستعمار الإثيوبي البغيض، قدمت كل غال ونفيس، والتراب الإرتري يشهد بذلك فهو تراب يفوح برائحة دماء الشهداء.
الأمر المهم الذي لا يحتاج إلى جدال ونقاش، أن الشعب الإرتري بمختلف فئاته لن يسمح بأن يرهن هذه التضحيات والبطولات بمغامرات أسياس الفاشلة، ولا أجندته الخفية التي يعمل ويجتهد في تحقيقها، الأرض الإرترية ليست أرثٌ لأسياس ولا للطغمة المصاحبة له، التي تنتظر أن يحكي لهم في الصباح أحلامه الليلية فيسعون في تنفيذها، هذه بلاد الشهداء الأبطال، من كل بيت شهيد، لن تقبل المساومة على الاستقلال، ويعني هذا أن الإرتريين ليس من ضمن خياراتهم المراهنة على استقلال بلادهم، فقد قضي الأمر عندهم منذ أمدٍ بعيد، عندما اختاروا الحرية والسيادة، على التبعية والاستعمار، هي إذاً قضية محسومة لا مكان فيها لأنصاف الحلول والمزايدة والعبث بمصالح الشعب الإرتري.
هنالك جملة من المخاطر والمهددات التي تعكر صفو استقرار وسيادة بلدنا إرتريا، نتوجس منها خيفة، ولابد أن ننظر إليها بعين الشك والريبة، وهذه المهددات والمخاطر.
أولها: المجموعة الحاكمة في أسمرا وعلى رأسها أسياس الذي يطمح في السيطرة على المنطقة، وفي تنفيذ أجندة خفية رسمت له في السابق في فترة الكفاح والنضال، وأجندة حديثة لدول تتطلع لفرض هيمنتها على المنطقة كلها، وفي سبيل تحقيق مقصده وهدفه يحرق الأخضر واليابس، ويتحالف مع القريب والبعيد، ويجرب المجرب وغير المجرب، والآن أخر ما توصل إليه تفكيره صناعة الدمار في إرتريا وجرها إلى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، حرب لا ما مصلحة لإرتريا فيها. ما يحدث الآن وفق التقارير الإعلامية أن أسياس طرف أصيل فيها من خلال المشاركة والدعم للحكومة المركزية.
ثانيها: التغراي مهدد خطير يجب أن يحسب له حساب، وهم إن كان الأمر بيدهم لم نالت إرتريا استقلالها؛ لأنه من الخيرات الصعبة على التغراي، على الرغم من أن الثورة الإرترية تعد من أكبر الداعمين لثورة التغراي، وبسعيهم المستمر لصناعة دولة تتضمن حتى وطننا إرتريا، يسعون لتحقيق هذا الغرض بمعاونة بعض الحالمين الذين يشاركونهم حلم قيام دولة تحمل ملامح ومواصفات محددة.
ثالثها: أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، في بداية درج الطغيان والاستبداد والتسلط، الذي يسعى إلى خلق هالة من الضوء حوله، ويستعين في هذا الأمر بسيده أسياس الذي لا يعرف مكره ودهاءه، وإلى أي مصير مجهول يقوده.
في تقديري أن الحرب الدائرة الآن في أثيوبيا، هي بداية تفكيك إثيوبيا، وستشهد المنطقة مزيد من الحروب القومية، وإن استمرار هذه الحرب يرشح لظهور عدة ثورات ضد الحكومة المركزية، وتعنت أبي أحمد ورفضه للتفاوض وسعيه لحسم الأمر في أرض المعركة ينقصه الفطنة والوعي السياسي، فالحرب بدايتها سهلة ونهايتها خراب ودمار، والخروج منها مازق سياسي كلفته طائلة وثقيلة، والتململ وسط القوميات الإثيوبية يعرفه كل قاصي وداني، حتى القومية التي ينتمي إليه رئيس الوزراء الإثيوبي هي ليست على قلب رجل واحد، ويتوقع أن تعلن تمردها على أديس أبابا، ما يسعى إليه أبي أحمد من تقليم أظافر التغراي وتقليص دورهم في أثيوبيا بهذه الصورة، قد يعود عليه بالضرر الكبير، وتحالفه الغامض مع أفورقي أفقده احترام الشعب الإثيوبي والأرتري، ومقابل هذا التحالف خسر التغراي وأعلن الإقليم تمرده على السلطة المركزية.
ما يحدث الآن في المنطقة سيكون له أثر بالغ على وحدة أرضنا وعلى استقلالنا، ينبغي أن نعمل جميعاً من أجل تفادي هذه المهددات والمخاطر المتوقعة، وهذا يتطلب تضافر الجهود، وحشد الطاقات والإمكانيات، وعلى الجيش الإرتري البطل الشجاع أن تكون له كلمة حاسمة، فهو جيش صنع الاستقلال والحرية، عليه الآن كذلك أن يخلص الشعب الإرتري من الدمار الذي يقوده إليه أسياس، يجب أن لا يشارك في الحرب الدائرة بين الطرفين الأثيوبيين، لا يعنينا ما يحدث بينهما، من قبل اتحدا لقتلنا وسفك دماءنا، والآن علينا أن لا ننصر طرفاً ضد الآخر، لأنه عندما تنتهي الحرب، ستتجه كل البنادق الأثيوبية وتتحد ضدنا. وعلى المعارضة الإرترية أن توحد صفوفها وتنظم خططها وبرامجها، وتؤطر كوادرها، وتسعى لتوعية الشعب الإرتري في الداخل، من خلال تنظيم المسيرات والندوات وتوزيع المنشورات وعقد اللقاءات، لا بد من محاصرة أسياس وبطانته السيئة في أسمرا، وكشف خيانتهم للشعب الإرتري.
خلاصة القول، أن الحرب مدمرة خاصة في بلد مثل إثيوبيا، وتأثيرها لن ينحصر في منطقة محددة (التغراي)، بل سيمتد هذا التأثير ليشمل الدول المجاورة وهذا ما يحدث الآن تُقَصَفْ أسمرا، وحالة اللجوء التي تشهدها الحدود السودانية، ولن يقف الأمر عند هذا الحد سنشهد الأيام المقبلة كثير من الأحداث المزعجة والمقلقة، لذا نرجو من الأطراف المتقاتلة أن تعي هذا الأمر جيداً، ويجنحوا لصوت العقل، للخروج من هذا المأزق، الذي بدت نذره منذ زمن بعيد، ويتم تنفيذه الآن ليعم الدمار والخراب في كل المنطقة.
بيل گابر تولدي تسفاي
You must be logged in to post a comment.